قصة كفاح الأم النازحة
استمع للقصة هنا
عزيزي العالم،
هده مش رسالة حب. هده قصة حياتي.
كنت طفلة وحيدة وعندي اسرة سعيدة. أبي كان ميكانيكي بمعاش منيح. وكانت أمي اشطرطباخة في العالم! كان عندا حديقة صغيرة تزرع فيها بقدونس ونعناع وزعتر وبندورة وخيار. ما كانت تقبل تشتري اي عشبة من السوق وتستخدم بس اللي بتزرعو.
كنت عشر سنين لما واجهت الموت لأول مرة. بعد فترة قصيرة، عرفت انها ما حتكون التجربة الأخيرة او الاسوء. توفي أبي وهو نايم.
راح ينام وما عاد صحي. ترك هالعالم بسلام متل ما عاش حياته. كان محبوب من الكل وكان دايما يعمل الي بقدر عليه ليسعد الناس.
تغيرت الأمور بعد وفاة أبي. مرضت أمي بعد فترة قصيرة؛ بظن أنو روحها وقلبها تخلى عن الحياة. ما كانت قادرة على الحركة وبقيت في الفراش طوال اليوم. في هداك الوقت، كان عمي من جهة والدي عايش في مدينة تانية وكان يزورنا مرة واحدة في الأسبوع. كان يجيب النا الاغراض لنا ويطل علينا شوي وبعدا يرجع للبيت. ضل هالحكي لمدة ثلاثة أشهر. بس بعد فترة قصيرة، صار يزورنا أقل واقل، وتحول مرة كل أسبوعين لمرة كل شهر، وبعد هيك ما عاد شفنا.
سرعان ما صارت الأمور أسوء بعد هيك. مرة، بركنا في البيت لأسبوعين بدون أكل أو كهرباء أو مي. كنا ميتين من الجوع. الحمد لله أننا البيت كان النا وملكنا، وإلا لكان قد انزتينا في الشوارع لأننا على الأكيد ما بنقدر على الإيجار!
لما كان عمري 11 سنة وبدون اب، ما عاد رحت على المدرسة وبلشت ادور على العلب البلاستيكية وعلب الصودا في الشوارع. كنت رح بيعهن في نهاية اليوم، زي كتير أطفال تانين، ومعظمهن من الأولاد. كانوا لئمين معي، وكانوا يضربونني لسرقة كل البلاستيك اللي جمعته. خلال تلك الأيام ما كنت اكل، بس كنت باّمن في مستقبل أفضل.
استمر هاد لمدة سنتين، حتى زارنا الموت مرة تانية. هاي المرة كانت أمي. كبرت وصارت ضعيفة في السنتين اللي بعد وفاة ابي. في النهاية، امتنعت عن الاكل وجسمها استسلم. بعد ثلاثة أيام من وفاة أمي، اجى عمي لزيارتنا مع صديق الو وابنه، وقال لي ببساطة اروح مع الابن. هيك تزوجت في الثالثة عشر من عمري وعايشة مع شخص غريب في قرية ما بعرفها ... بس على الأقل وقفت عن جمع العلب البلاستيكية وعلب الصودا من الشوارع ...
زوجي كان منيح معي. كان لطيفًا وحباب، وعشت أسعد عشر سنوات في حياتي معه ... وبعدين بلشت الحرب، وراح زوجي في غمضة عين. يا دوب بعد أسبوع من وفاته، تدمرت قريتنا كاملة بالقصف. اجبرنا نصير نازحين أنا وأولادي الخمسة في رحلة نزوح رهيبة ومرهقة وطويلة ومعانا شنتة وحدة بس. طوال سنين، عشنا في 5 مخيمات نزوح مختلفة؛ ورح نقضي تقريبا من 3 إلى 5 أشهر في كل مخيم. بعد هيك، رح ينقصف المخيم ورح نعيش باعجوبة ونبلش ندور على مكان آمن مرة أخرى. خلال سفرنا، كان علينا تخطي نقاط التفتيش الخطرة، والنوم في البرية، وحتى أكل أوراق الشجر المسلوقة، بس عشنا!
مرت ثلاث سنوات من لما نزحنا لأول مرة، لقينا أخيرا مكان امن في مخيم النازحين وين احنا عايشبن هلأ. لما وصلنا هون لأول مرة، ما كان مكان نعيش فيه ونمنا في خيمة عملتها من أغطية بلاستيكية ما حدا بدو ياها شوي من عيدان الشجر خلال الأسبوع الأول. بعد هيك، اعطتنا إدارة المخيم كرفانة صغيرة نعيش فيها. كنت سعيدة ومرتاحة كتير، خاصة بالنسبة لأولادي الي عاشو كتير اشياء. كان عنا موقد صغير في كل الأساسيات. واعطونا سلال غذائية وبطانيات وملابس جديدة من المنظمات المحلية العاملة هناك.
ومع هيك، اللحظة الي الاسعد بالنسبة الي كانت لما بلشو ولادي يروحو في على المدرسة في المخيم. اعطاني وقت الفراغ، وحسيت هلأ أني بقدر اركز على اني اكون ام جيدة بدل بس اني اكون عايشة. كان هناك مركز في المخيم يقدم الدعم النفسي والاجتماعي وجلسات توعية للأهل. هناك، لقيت حالي مرة أخرى، هلأ، عندي الفرصة لدعم أطفالي وإرشادهم خلال تحديات الحياة والى مستقبل مشرق، بتمنى أنو يبنوا على أنفسهم.
تجربتي السيئة ما كانت نهاية رحلتي؛ كانت مجرد نقطة انطلاق لمستقبل أفضل بنيتو بشكل بطيئ بس بثبات، لنفسي ولأولادي.
تفضلوا بقبول فائق الاحترام،
عروس قاصرة سابقة وأم